العبادي: فرص الوظيفة معدومة في مجال الخط العربي

عمان - الرأي

يرى الخطاط صالح العبادي أنّ عنصر الشغف في دراسة الخط العربي وتعلّمه أهم من اتخاده سبيلًا للوظيفة، ومع ذلك فإنّ هناك اختصاصات قريبة من الخط يمكن العمل بها بعد التخرج. ويقول العبادي، في حوار مع الرأي إنّ لعائلته المثقفة دورًا في اتجاهه إلى الخط ودراسته في بغداد، مؤمِّلًا كتابة المصحف الشريف، ومعبّرًا عن احترامه للمبادرات الجادة في هذا المجال.

ويطمح العبادي إلى إعادة تدريس الخط العربي في المناهج ودعمه، باعتباره معبّرًا عن الهوية والثقافة.

ولأنّ تخصص الخط قليل العمل وفرص التوظيف تكاد تكون معدومة، فإنّ العبادي مستعد لتقديم خبراته في هذا المجال، مؤكّدًا دور وزارة الثقافة وأمانة عمان في تقديم أعمال مميزة يدخل فيها الخط العربي عنصرًا جماليًّا في كثير من اللوحات الفنية.

هل كان لدراستك الأكاديمية محل تطبيقي في العمل والممارسة والوظيفة؟

لم تُتح لي دراستي الأكاديمية وتخرجي من كلية الفنون الجميلة أي فرصة للعمل في الاختصاص وتقديم خبراتي التي اكتسبتها، وممارسة الخط العربي وتدريسه أكاديمياً، كتخصص، لأن مؤسساتنا التعليمية؛ وبسبب قِلة فرص العمل المتاحة لهذا التخصص النادر تذهب بعيداً إلى حيث تجد عملاً لتستمر بالحياة، لذلك فرص عمل هذا التخصص ما زالت شحيحة، بالرغم من المبادرات التي أطلقت للنهوض بهذا الفن، كمبادرة «ض» التي أطلقها سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد.

ما نصيحتك للشباب الأردني في موضوع التخصص الأكاديمي والممارسة؟

بالنسبة لتجربتي في دراسة الخط العربي أكاديميًا، ربما تكون من أوائل التجارب في الأردن قبل افتتاح التخصص في إحدى جامعاتنا الأردنية، فأقول إذا كان هدفك من الدراسة هو الحصول على وظيفة فربما تتأخر في الحصول عليها، أمّا إذا كان هدفك من الدراسة هو شغفك وموهبتك بهذا الفن الجميل، بدون أن تلحّ عليك الوظيفة لتستطيع العيش، فعليك الاستمرار بممارسة الخط أو اختيار تخصص قريب وله علاقة، كالتصميم الجرافيكي مثلاً، لتستطيع العمل بوظيفة، وممارسة الخط.

والخط العربي فن جميل وأصيل، وظل على مدى قرون طويلة وعاء للفن الإسلامي في الكتابة والعمرة الإسلامية، وهو يحتاج إلى وقت وجهد وتعب لضبط قواعده التقليدية الصارمة، فلا يحبذ الانشغال بأشياء أو أعمال بعيدة عنه من شأنها أن تؤثر في نفسية الخطاط وعمله وإبداعه.

هل ما يزال الخط العربي قادراً على المنافسة مع الحواسيب والإلكترونيات؟

أدرجت منظمة اليونسكو الخط العربي على قائمة التراث الثقافي غير المادي سنة ٢٠٢١، وهذه الخطوة التي قامت بها اليونسكو تجاه الخط العربي كانت بسبب الخوف عليه من الاندثار، وتعتني في الخط العربي منظمات وهيئات عالمية مثل «منظمة التعاون الإسلامي» من خلال الفعاليات والمسابقات الدورية، وكان لهذه المؤسسات فضل في المحافظة والتوعية في أهمية الحرف العربي، فيما يخص موضوع تنافسية الخط العربي التراثي مع التطور الهائل في التكنولوجيا والإلكترونيات والإنترنت، وإدراك أهمية الحرف العربي يعود إلى الثقافة العامة للمجتمع ووعيه لتوظيفه بما يخدم المواد المنشورة والمطبوعة، وتدريس الخط العربي ضروري في المدارس والجامعات ليكون الطالب على وعي ومعرفة ليميز ويتذوق جمال الحروف العربية وقيمتها الفنية الراقية.

ضعنا بإرهاصات الإبداع ومقوماته لديك.

أنا ابن قرية «السويسة» في محافظة العاصمة، وهي تبعد عن مركز المدينة عشر دقائق، وقد نشأت في عائلة مثقفة، فالوالد يحب الأدب والشعر ويقوله ويحفظ منه الكثير، والأخوة منهم مهتمون بالخط العربي ومنهم خطاطون ومتذوقون للحرف العربي واللغة العربية والأدب والتصوير. وقد خرجتُ من هذه العائلة مشحوناً بحب الحروف العربية، وقررت الذهاب بعيداً في دراسة الخط العربي في أكاديمية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد.

وفي بغداد تعرفتُ على أساتذة كبار نهلت من معينهم، واستفدت من تجاربهم الكبيرة في مجال الخط العربي داخل الجامعة، منهم الأستاذ الدكتور سلمان إبراهيم، والأستاذ الدكتور عبد الرضا بهية، وانتظمت في دراسة الخط على الطريقة التقليدية بمراجعة مكاتب الخطاطين المعروفين، بالإضافة إلى الدراسة الأكاديمية، فقد درستُ خطّي الثلث والنسخ في مكتب الأستاذ عباس البغدادي رحمه الله، ودرستُ خطّ التعليق في مكتب الحاج خليل الزهاوي رحمه الله، وغيرهم الكثير من أساتذة الخط العربي.

ومن خلال الدراسة المنتظمة والأنشطة خارج المسار الأكاديمي، تعرفتُ على تجارب أساتذة كثر في بغداد واستفدت من تجاربهم الثرية، ولا يتسع المجال لذكرهم.

ومن الأردن كنتُ قريباً من تجربة صديقي الأستاذ المبدع يعقوب إبرهيم أبو شاورية، وخاصة في خط النسخ والخط الديواني، وبعد التخرج من الجامعة بدأت التعمّق أكثر فأكثر معتمداً على ذاتي وصنع شخصيتي الفنية، مبحراً في مدارس الخط العربي القديمة والحديثة، إلى جانب الاهتمام بأشياء بعيدة عن الاختصاص وشغفي في فنون الخط، من أجل العمل والبحث عن مصادر الرزق لتستمر الحياة، وهو ما جعلني مُقلًّا في المشاركة بالمعارض الوطنية والدولية، وكانت آخر مشاركاتي سنة ٢٠١٠ في احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية، وفي بنيالي الشارقة ٢٠١٠ في الإمارات العربية المتحدة، ولي مشاركات في فعاليات ومسابقات منظمة التعاون الإسلامي «أرسيكا»، وهذه الفعاليات كان لها أثر ودور في إبقائنا على تواصل واهتمام بالخط العربي في زحمة الحياة.

الآن أنا متفرغ للخط العربي وسأنشر تجربتي وما تعلمته ووصلت إليه من خلال المشاركة في معارض نوعية ومعارض خاصة تعبر عن عن هذه التجربة.

ما طموح صالح العبادي: الفنان والخطاط؟

عندي طموح على المستوى الوطني، بأن يكون لمديرية المناهج والتدريس دور في إعادة تدريس الخط العربي بالمدارس الأردنية، في زمن تراجُع الكتابة بالقلم بسبب التطور التكنولوجي، ودعم الخط العربي وإعطائه مكانته التي تليق به كهوية حضارية، وحفاظاً على الأجيال واتصالها بحضارتها ولغتها العربية. وعندب طموح شخصي ويشاركني فيه غالبية الخطاطين، وهو أن أتلقى الدعم والاهتمام لأتمكن من كتابة نسخة من المصحف الشريف.

كيف تعمل من الخزف والخط لوحات جاذبة للمتلقي؟

يُعرف الخط العربي بإنه عمود الفنون الإسلامية، وذلك لاستخدامه وتوظيفه فنياً في أغلب الفنون الإسلامية، ومن هذه الفنون الأصيلة فن الخزف؛ فمشهد طبق من الخزف الدائري تزينه الحروف العربية والزخارف العربية يحمل قيمة حضارية وفنية راقية، وهما يكوّنان تحالفاً جمالياً في إبراز جمال الحرف وروعته، فالحرف العربي كما قيل أينما ظهر بهر. وحين ترى الحروف تزين الجدران من الخزف في العمارة الإسلامية فإنّ ذلك يعطيك شعورًا بالهيبة الحضارية والقيمة الجمالية.

ماذا بشأن المواد الأولية للخط، ومدى توفرها الطبيعي في بلدتك أو المنطقة؟

المواد الاولية التي نستخدمها في الخط العربي موجودة في المنطقة من حولنا، فالقصب (البوص) قلم الكتابة موجود في الغور والشونة وعند جداول المياه، وهو من أجود أنواع قصب الكتابة والخط العربي، ومن تجربتي الشخصية لاستخدام البيئة، فقد قمت بتجربة ورق الكتابة المصنع يدوياً من أوراق النباتات كالباميا واليقطين وغيرها، والذي ينتج في مؤسسة «نور الحسين» في منطقة «عراق الأمير» وهذا الورق يستخدم في بطاقات المناسبات والدعوات، وأيضا الكتابة على الخزف كالأطباق والكؤوس وغيرها من الأواني التي يطلبها متذوقو الخط العربي والزخرفة العربية الإسلامية.

هل نفّذت مشاريع وطنية وفنية مدعومة؟

لم تتح لي فرصة الحصول على مشاريع وطنية وفنية، وأنا أطمح إلى ذلك، ومستعد لتقديم خبراتي في الخط العربي للتعاون مع المؤسسات الوطنية لتقديم أعمال مميزة من خلال وزارة الثقافة أو أمانة عمان.

هل توجد مؤسسات أو جمعيات تعنى بالخط العربي في الأردن؟

توجد جمعية تعنى بالخط العربي ومقرها محافظة الزرقاء يعتني بها الخطاط إحسان تركماني، ولا بد من شكره على جهوده المتواصلة لخدمة الخط العربي.

ونحن بحاجة إلى مظلة يعمل ويبدع تحت إدارتها الخطاطون فتنظم عملهم وحراكهم الثقافي وتشرف على إعطاء الدورات والدروس لتعليم الخط للهواة والمتدربين بالإضافة الى دورات تحسين الكتابة للراغبين، ويكون مقرها العاصمة عمّان لتكون ملتقى للجميع، وهناك مؤسسات تعنى بالخط العربي بجهود فردية يديرها أشخاص يقدمون ما يستطيعون من أجل الحفاظ على الخط العربي، ولكنها لا تكفي ولا بد من مظلة جامعة للخطاطين الأردنيين الهواة والمحترفين والمهتمين بهذا الفن.

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2024-05-08T02:01:46Z dg43tfdfdgfd