مجتمع الميم-عين قي العراق يخشى أياماً أكثر ظلاماً إثر قانون يعاقب المثلية

قبل عام، غادر سيف علي العراق بعد تعرّضه لضغوط وتهديدات جعلت حياته صعبة، إلا أن حلم العودة الذي لم يغادره بات اليوم مستحيلاً إثر قانون يجرّم العلاقات المثلية حتى 15 عاماً بالسجن صدر أخيرا.

ويأتي القانون الجديد الذي قوبل بإدانة من منظمات لحقوق الإنسان اعتبرته "انتهاكاً" للحقوق الإنسانية، ليزيد من الضغوط التي يواجهها أساساً أفراد مجتمع الميم-عين بالإضافة أحيانا الى العنف الجسدي واللفظي.

ودانت دول غربية بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة القانون الجديد، فيما ندّد سياسيون عراقيون بما وصفوه "تدخلاً" في الشأن العراقي. واتهم بعض النواب العراقيين منظمات المجتمع المدني بأنها "تابعة" للولايات المتحدة وتروج لـ"الشذوذ الجنسي".

ويقول علي (26 عاماً) متحدّثا من خارج البلاد "كانت مغادرة العراق من أصعب الأمور في حياتي. لكني أجبرت على الرحيل ، لم يكن لدي أي خيار آخر".

ويضيف الناشط ومؤسس مجموعة "كالا عراق" (Gala Iraq for LGBTQ) "بعد القانون، بات من المستحيل أن أزور العراق مجدداً، وهذا ما يحطّم قلبي".

في العراق، وضعته عائلته تحت الإقامة الجبرية وحرمته من الخروج. حتى أنها سحبت منه مستنداته الشخصية لنحو عامين بسبب "مظهره" ولكونه ليس "مثل باقي الأولاد"، وفق ما يقول علي.

ومع تزايد التهديدات والضغوط، اتخذ علي القرار المؤلم بمغادرة العراق بحثاً عن حياة أفضل ومجتمع يتقبّل خياراته.

ويقول علي إن أفراد مجتمع الميم-عين كانوا "يتعرّضون أساساً لأشكال مختلفة من العنف، مثل القتل والاغتصاب والاختطاف والابتزاز".

ويضيف "أعتقد أن الفترة المقبلة ستكون أكثر ظلامية" بعد صدور التعديلات القانونية.

 - "غير آمنة" -

وينظر المجتمع العراقي العشائري والمحافظ نظرة سلبية إلى المثليين، فيما لم يكن هناك في السابق أي قانون يعاقب المثلية الجنسية.

أما النص الجديد الذي يمثّل تعديلاً لقانون مكافحة البغاء لعام 1988، فينص على عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 10 و 15 عاماً لمن يقيم علاقات مثلية ولمن يقوم بـ"تبادل الزوجات لأغراض جنسية".

كما يمنع "تغيير الجنس البيولوجي للشخص بناء على الرغبات والميول الشخصية" تحت طائلة تعريض كل من غيّر جنسه وأي طبيب أجرى العملية للسجن لمدة تراوح بين سنة وثلاث سنوات. ويفرض مدة مماثلة لكل "ممارسة مقصودة للتشبّه بالنساء"، ويحظّر "نشاط أي منظمة تروّج للبغاء والمثلية الجنسية".

وحذّر ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي من أن التعديلات تتضمّن لغة غامضة تفتح المجال لتفسيرات واسعة.

وكان مشروع تعديلات سابق اقترح عقوبة الإعدام.

وتحدث النائب في البرلمان العراقي مصطفى سند على موقع "إكس" (تويتر سابقاً) عن ضغوط مارستها سفارات دول أوروبية والسفارة الأميركية.

وتقول ناشطة طلبت عدم الكشف عن اسمها حفاظاً على سلامتها إن "الحياة في العراق غير آمنة".

وكرّست الشابة (29 عاماً) نشاطها لسرد تجارب أفراد من مجتمع الميم-عين، لكن مدوّنتها الإلكترونية ما لبثت أن اختُرقت وأُزيلت في العام 2018 إثر تهديدات عدّة.

ورفضت الناشطة الاستسلام. وما لبثت أن أطلقت مشروع بودكاست، لكن القانون أتى ليهدّد نشاطها مجدداً. ومنذ إقراره، يضغط أصدقاؤها عليها من أجل إزالة منشوراتها. لكنها تقول بأسى "إنها غالية على قلبي، لا أقوى على ذلك".

ولطالما كرهت الناشطة فكرة ترك بلادها فقط بسبب هويتها الجنسية، لكن شبح المغادرة بات يلوح بالنسبة لها. 

وتقول "أخاف أن أُجبَر على المغادرة ، أتمنى ألا يصل الأمر إلى ذلك".

وتضيف "مجتمع الميم - عين كان متورارياً أساساً، وحالياً يدفعوننا أكثر نحو الاختفاء تماماً"، مشيرة إلى أنه بات عليها أن تتخذ إجراءات احترازية أكثر لحماية نفسها وأصدقائها.

- موجة هجرة -

واعتبرت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة رافينا شمداساني الإثنين أن "القانون يتعارض مع معاهدات واتفاقات عديدة بشأن حقوق الإنسان صادق عليها العراق لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويجب إلغاؤه".

ورأت الخارجية الأميركية الأحد أن القانون المعدّل يهدّد "الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في المجتمع العراقي"، محذّرة أنه "يمكن استخدامه لعرقلة حرية التعبير والتعبير الشخصي، وعرقلة أعمال منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العراق".

ورداً على الموقف الأميركي، طالب أكثر من 60 نائباً عراقيا باستبدال السفيرة الأميركية.

وقال النائب رائد المالكي الذي اقترح التعديلات على القانون لوكالة فرانس برس، "هذا القانون يأتي من باب وقاية المجتمع من هكذا أعمال".

وأضاف "ثقافة المجتمع ترفض (المثليّة)، لكنّ هناك تعمّداً للترويج لثقافات غير معترف بها، وبالتالي نحن نتخوّف من المستقبل".

وقد تزايدت خلال الفترة الماضية خطابات مناهضة لمجتمع الميم-عين.

وخلال تظاهرة لأنصار التيار الصدري العام الماضي احتجاجاً على حرق نسخة من المصحف في السويد، أحرق البعض أعلام "قوس قزح".

واعتبرت رشا يونس المتخصصة في مجال حقوق مجتمع الميم-عين في منظمة هيومن رايتس ووتش أن "القانون يفاقم صعوبات يعاني منها أساساً أفراد مجتمع أل جي بي تي (ميم-عين LGBT) العراق الذين يواجهون العنف بشكل منتظم وتهديدات لحياتهم من جماعات مسلحة".

ويقول يزن العبيدي، الناشط الكويري الذي يحمل الجنستين العراقية والنروجية، إنه بات اليوم يخشى التوجّه إلى بلده الأم برغم الإجراءات الاحترازية التي يتخّذها في كلّ مرة يزور العراق، وآخرها في 2018.

ويتوقّع زيادة في "هجرة الكوير" بعد إضفاء السلطات "وجها قانونيا" على الضغوط التي كان يتعرّض لها مجتمع الميم-عين.

ويقول "لم يعد الأمر يقتصر على العائلة أو المجتمع، بل إن (الشخص المنتمي الى هذا المجتمع) بتعبيره عن ذاته بات يتحدّى الدولة".

رح/سف-عك/رض 

2024-04-30T05:42:30Z dg43tfdfdgfd