البعد الأفريقي في السياسة الخارجية الإماراتية

شهدت العلاقات الإماراتية الأفريقية تطورات إيجابية متلاحقة عكست في مجملها أولوية القارة ضمن توجهات السياسة الخارجية لدولة الإمارات.

ويظهر ذلك جليًّا في الشراكات الاستراتيجية واتفاقيات التعاون الثنائي المشترك التي توقعها دولة الإمارات مع العديد من الدول الأفريقية في مختلف المجالات الحيوية، بما يعكس رغبة الإمارات في بناء شراكات قوية ومستدامة لتحقيق التنمية المشتركة ودعم الازدهار في دول إفريقيا؛ وهو ما أكده رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في مارس/آذار الماضي أثناء لقاء مع جوليوس مادا بيو، رئيس جمهورية سيراليون، حينما أشار إلى التوجه الاستراتيجي الإماراتي لتقوية العلاقات التنموية مع القارة الأفريقية بما يعود بالخير والازدهار على الجميع، ودعم دولة الإمارات كل ما يحقق السلام والاستقرار والتنمية في القارة.

المحرك الأساسي للسياسة الإماراتية تجاه أفريقيا هو حماية وتنمية المصالح الإماراتية الاقتصادية في التجارة والاستثمارات واستقرار سوق الطاقة العالمي وتأمين الأمن الغذائي، أما بالنسبة للمصالح الاستراتيجية للدولة، فهي تركز على ضمان أمن الممرات المائية، خاصة مضيق باب المندب، وعلى مكافحة القرصنة والسطو المسلح على السفن في بحر العرب وخليج عدن والمحيط الهندي.

بالإضافة إلى الإسهام في مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية لمنع تحولها إلى مواقع تصدير للحركات الإرهابية التي تشكل تهديدًا لدول الخليج العربي، ومواجهة النفوذ المتنامي لقوى إقليمية منافسة أو معادية في القارة، والاستفادة من القوة التصويتية للدول الأفريقية في الأمم المتحدة، فالقارة الأفريقية تقع ضمن حرص واهتمامات الدبلوماسية الإماراتية وبقوة، باعتبارها كتلة جغرافية مهمة في السياسة الدولية.

وقد أدى الموقع الجغرافي لمنطقة القرن الأفريقي من حيث اقترابها من مصادر النفط الخليجي، إلى اتجاه الدول الخليجية على رأسها الإمارات لإعادة هيكلة سياساتها الخارجية نحو مزيد من تكثيف العلاقات وأواصر التعاون مع دول القرن الأفريقي، لتأمين الممرات البحرية من أجل نقل صادرات النفط الخاصة بها. وفي ظل الانفتاح الذي تشهده السياسة الخارجية الإماراتية، اتجهت بكثافة نحو تنويع شبكة حلفائها، ونظرًا لأن القارة الأفريقية عموماً تمثل الكتلة التصويتية الثانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الوقت الذي تشكل فيه دول القرن الأفريقي ثقلًا إقليميًا حقيقيًا، أصبح التوجه الإماراتي أكثر بروزًا في دول شرق أفريقيا، وهو ما يستدل عليه من معدلات التعاون بين الإمارات ودول المنطقة في محاولة لاستقطاب الكتلة التصويتية الخاصة بهم في المحافل الدولية والتنسيق مع الدول الصديقة في القارة الأفريقية بشأن القضايا والمواقف الإقليمية الداعمة للأمن والاستقرار والحفاظ على السلم الدولي.

وتعتبر جهود مكافحة الإرهاب أحد أهم محركات التوجه الإماراتي تجاه أفريقيا، لا سيما في ظل تنامي ظهور الجماعات الراديكالية شرق القارة، كجماعة شباب المجاهدين في الصومال، وأفرع تنظيمي القاعدة وداعش في دول غرب أفريقيا، إلى جانب تصاعد أعمال القرصنة البحرية ما من شأنه تهديد حركة الملاحة البحرية، والتأثير على استقرار الاستثمارات الإماراتية بالقرن الأفريقي وهو ما دفع الإمارات لتكثيف تعاونها الأمني مع دول المنطقة على مختلف المستويات، وتتوسع سياسة الإمارات نحو أفريقيا لتشمل الاهتمام بالعمق الأفريقي ممثلاً في كينيا وتنزانيا وأوغندا.

على مدار 53 عامًا من الشراكة مع دول القارة الأفريقية، تتوسع شراكات الإمارات مع دول القارة في المجال التنموي، ومع انخفاض معدلات التمويل الصيني لمشروعات البنى التحتية وتأرجح الاستثمارات الغربية، يبرز دور الإمارات كشريك تنموي رئيسي لأفريقيا، حيث تعهدت الدولة في عام 2022 باستثمارات أجنبية قيمتها 52.8 مليار دولار، بما يتجاوز 20 ضعف إسهامات الصين و7 أضعاف مثيلتها الأمريكية وفق تقارير دولية متخصصة، ورغم تراجع هذ الرقم إلى 44.5 مليار دولار في عام عام 2023، فإنه لا يزال ضعف استثمارات الصين التي حلت في المرتبة الثانية، والأهم أن الاستثمارات الإماراتية تركز على قطاعات حيوية مهمة مثل الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا، بما يرسم آفاق واعدة للتعاون والشراكات المتنامية بين دولة الإمارات والدول الأفريقية.

2024-04-30T22:00:12Z dg43tfdfdgfd