"نظام الملالي" والمرأة.. موجة قمع جديدة ضد النساء في إيران

وسعت "شرطة الأخلاق" في إيران حملتها ضد النساء بهدف إجبارهن على الالتزام بنمط زي معين، فيما تصر النساء على رفض الوصاية عليهن رغم القمع. ويرى مراقبون أن الأمر يعكس أزمة شرعية لدى "نظام الملالي" نفسه.

قامت السلطات الإيرانية مؤخرا بزيادة دورياتها في الشوارع ما يًنذر ببدء حملة جديدة من القمع ضد الإيرانيات تحت زعم عدم اتباع قوانين "اللباس الإسلامي" في الأماكن العامة فيما يأتي ذلك في إطار حملة أطلق عليها اسم "نور" حظيت بمباركة المرشد الإيراني علي خامنئي.

ومع تدشين الحملة، قامت شرطة ما تُعرف بـ "شرطة الأخلاق" التي يطلق عليها في إيران اسم "غشتي إرشاد" أو "دوريات التوجيه"، بنشر عناصرها في الشوارع لتفقد مدى التزام الإيرانيات بارتداء الحجاب الإلزامي.

وفي مقابلة مع DW، قالت شابة إيرانية في الخامس والعشرين من العمر، إنها تعرضت للتعنيف من قبل "شرطة الأخلاق" في أحد شوارع العاصمة طهران فيما كانت في طريقها إلى الجامعة قبل أيام.

وأضافت الشابة، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها للحفاظ على سلامتها، أن عشر عناصر من شرطة الأخلاق أمروها بتغطية شعرها، مضيفة "عندما قاومت ذلك، سرعان ما لجأوا إلى العنف وقاموا بجري من شعري وإلقاء السباب ثم قاموا بسحبي إلى السيارة".

وأضافت "في تلك اللحظة، لم استوعب ما يحدث حولي، لم أدرك سوى أنهم كانوا ينهالون علي بالضرب لأرى بعد ذلك كدمات على جسدي بسبب شدة الضرب. وعلى الفور، تذكرت احتجاجات (المرأة، الحياة، الحرية)".

وكانت الشابة الإيرانية تشير في حديثها إلى موجة الاحتجاجات النسائية التي اندلعت عقب وفاة الشابة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، في 16 سبتمبر / أيلول عام 2022 بعد احتجازها من قبل "شرطة الأخلاق" بسبب ارتدائها ما اُعتبر بـ "لباس غير محتشم" لتدخل في غيبوبة خلال احتجازها.

وبعد ثلاثة أيام من اعتقالها، تلقى مهسا حتفها في المستشفى فيما أثار موتها موجة غضب كبيرة في إيران واندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة في الكثير من المدن الإيرانية فيما حملت المظاهرات شعار (المرأة، الحياة، الحرية).

وفي ذلك، قالت الشابة الإيرانية "تذكرت جينا مهسا أميني وغيرها من النساء اللاتي ضحين بحياتهن خلال انتفاضة (المرأة، الحياة، الحرية)، وقلت لنفسي إنه يتعين أن أتحلى بالقوة. لقد صرخت بصوت عالٍ بأن قواعد اللباس الخاصة بي هي من شأني الخاص. وبمجرد أن قلت هذا، بدأت عناصر شرطة الأخلاق بالتعدي علي. نعتني الضابطات بالعاهرة وجرى إبلاغي بأنه طالما أعيش في إيران، فإنه يجب أن احترم قوانين البلاد".

وأضافت أنه جرى احتجازها من قبل الشرطة برفقة خمس نساء أخريات على الأقل لعدم ارتدائهن الحجاب، مشيرة إلى أنه جرى إطلاق سراحها بعد ساعات عقب إجبارها على التوقيع على خطاب تلتزم فيه باتباع ما تسمى بـ"قواعد اللباس الإسلامي" وإلا فإنها سوف تواجه المزيد من الإجراءات القانونية.

تجدد قمع النساء

تزامن ذلك مع انتشار مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي تفيد بحدوث أعمال عنف واعتقال ودفع غرامات ضد إيرانيات من قبل الشرطة.

يُشار إلى أن لجنة برلمانية إيرانية قد أرسلت نسخة منقحة من مشروع قانون خاص بالحجاب، إلى مجلس صيانة الدستور، وهو كيان إشرافي محافظ غير منتخب، لمراجعته، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء تسنيم الإيرانية الإثنين (29 أبريل / نيسان).

وفي حال تمت الموافقة على المسودة الآن، فيمكن فرض عقوبات قاسية في المستقبل على انتهاك "قواعد الزي" في البلاد، بما في ذلك إلزام النساء بتغطية شعرهن في الأماكن العامة. وينص مشروع القانون على عقوبات صارمة. وفي الحالات القصوى يمكن أن تصل العقوبة إلى السجن 15 عاما وغرامات يمكن أن تصل إلى أكثر من 5 آلاف دولار.

وكان خطاب خامنئي في عيد الفطر بمثابة إيذان ببدء حملة قمع جديدة ضد الإيرانيات حيث أمر بضرورة التعامل مع "انتهاك الأعراف الدينية" في المجتمع. وعلى وقع ذلك، كثفت "شرطة الأخلاق" دورياتها في الشوارع فيما قالت مهتاب محبوب، ناشطة نسائية إيرانية تعيش في ألمانيا، إن تزامن توقيت الحملة المتزايدة ضد الإيرانيات مع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل "ليس محض صدفة".

وفي مقابلة مع DW، أضافت "قضية الأمن تعد في صميم سياسات الجمهورية الإسلامية؛ بمعنى أن قضية الأمن الخارجي تقوم على مهاجمة "العدو" أما قضية الأمن الداخلي تتمحور حول السيطرة على أجساد النساء وجميع الأقليات الجنسية والجندرية".

وأضافت أنه يُنظر إلى المتظاهرين والمتظاهرات باعتبارهم "عملاء وجزءاً من حركة تمرد ضد قيم النظام الإيراني".

من جانبه، أكد المحامي المقيم في طهران، عثمان موزايان، في حديث مع DW على حدوث اعتقالات طالت العديد من الإيرانيات، مضيفا "في بعض الحالات، جرى تجميد حسابات مصرفية خاصة بمتظاهرات موقوفات وحتى مصادرة سياراتهن مع منع البعض منهن من دخول الجامعات وحتى حرمانهن من العمل".

وأشار إلى أنه يتم "إحالة هؤلاء النساء في الغالب إلى المحاكم، وبغض النظر عن الحكم، سواء أكان إدانة أو براءة، فإن العقوبات والقيود المفروضة لا يمكن الرجعة فيها".

إصرار النساء على رفض الوصاية

ويرى مراقبون أن الاحتجاجات النسائية التي عمت البلاد عقب وفاة جينا مهسا أميني تمثل أكبر تحدي داخلي للنظام الإيراني منذ قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979، لكن في المقابل، لم تكن السلطات الإيرانية على استعداد للإذعان لمطالب المتظاهرين والمتظاهرات خاصة مطلب إلغاء ارتداء الحجاب.

ووصفت نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2023 والقابعة في السجن بطهران، التصعيد الأخير في أعمال العنف ضد الشباب والشابات بأنه علامة على "اليأس" داخل إيران.

وقال محمدي إن السياسة الجديدة تنبع من "آلام فقدان الشرعية التي يعاني منها النظام ويستعصي الشفاء منها".

وفي السياق ذاته، أصدرت مجموعة من الأمهات اللاتي فقدن أبنائهن وبناتهن خلال احتجاجات (المرأة، الحياة، الحرية) بيانا مؤخرا للتنديد "بالقمع الوحشي والمستمر من قبل النظام الكاره للنساء".

وذكر البيان أن "النساء عازمات على رفض العودة إلى الماضي ولن يسمحن لأنفسهن بأن يتم اعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية مع رفضهن أن تقرر الحكومة والنظام الأبوي مصيرهن بالنيابة عنهن".

وفي مقابلة مع DW، قالت صحافية إيرانية تعيش في طهران، إنه رغم التصعيد الأخير في أعمال العنف، إلا أنها لم تشهد أي تغيير في الشوارع.

وأضافت روجينا، اسم مستعار، "كل يوم، نرى العديد من النساء في الأماكن العامة يرتدين ملابس محض اختياريهن. لقد قبلن أن الحرية تتطلب دفع الثمن وهن مصممات على عدم العودة إلى حياة ما قبل حركة (المرأة، الحياة، الحرية)."

بدورها، قالت الناشطة الحقوقية مهتاب محبوب إنها على تواصل مع العديد من النساء في إيران، مضيفة أن "حركة (المرأة، الحياة، الحرية) أعادت للإيرانيات ثقتهن بالنفس التي لطالما حُرمنا منها وأيضا ذكرت المجتمع بأكمله بأن حرية المرأة والفئات الأكثر تهميشاً هي مقياس للحرية المجتمع". وقالت "بعض النساء اللاتي ما زلن يغادرن المنزل بدون حجاب، يعملن على استرداد كرامتهن المفقودة، مع الإصرار على أنه لا يحق لأحد أن يقرر لهن ما يجب ارتداؤه".

أعده للعربية: محمد فرحان

الكاتب: أوميد بارين

2024-05-02T05:46:05Z dg43tfdfdgfd