موسيقى الراب في إيران: "قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجاوز فيها الخطوط الحمراء"

ارتفع عدد الاعتقالات لمغنيي الراب في إيران منذ ازدهار هذه الموسيقى في التسعينيات من القرن الماضي. لكن الحكم بالإعدام ضد المغني توماج صالحي يعتبر تحولا كبيرا في سياسة القمع التي تمارسها الحكومة إزاء الفنانين الملتزمين. ففي السنوات الأخيرة، حاولت السلطات توظيف هذا النوع من الموسيقى لجذب الشبان، كما قامت بتشجيع نمط تجاري غير سياسي. ولمعرفة المزيد عن هذا الموضوع، تحدثنا مع كل من جوستينا وغوغا، مغنيتان راب تعيشان بالمنفى.

المرة الأخيرة التي تحدثت فيها جوستينا مع توماج صالحي كان يوم إطلاق صراحه بكفالة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بعد أن قضى أكثر من عام في السجن. "كان الحديث بيننا قصيرا. كنت أود فقط أن أطمئن عليه ولم أرد أن يواجه مشاكل بسبب اتصالي به. لهذا السبب لم نتحدث كثيرا"، تقول هذه المغنية الإيرانية التي تعيش في المنفى بالسويد.

ولم يمر أسبوعان فقط على هذه المحادثة حتى تم اعتقال توماج صالحي من جديد بحجة انتقاده لظروف الاعتقال التي تعرض إليها في السجن بشريط فيديو بثه على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال فيه: "ضربوني على الوجه. حاولت أن أحمي وجهي بأيدي لكنهم كسروا أصابعي". وتابع بهدوء أمام الكاميرا: "لا يجب لأحد ولا لأية مؤسسة أن تكون فوق القانون. الشعب هو من يصيغ القوانين"، متمنيا لمتابعيه "أياما قادمة سعيدة وأن نبني سويا بلدا جميلا".

وفي 24 أبريل/نيسان الماضي، أصدرت "المحكمة الثورية" في مدينة أصفهان الحكم بالإعدام في حقه رغم التعبئة الدولية التي طالبت بإسقاط الاتهامات الموجهة ضد الفنان. لكن بدون جدوى.

اقرأ أيضاإيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خلفية تأييد الاحتجاجات

السلطات الإيرانية اتهمت توماج صالحي بممارسة "الفساد على الأرض" إثر إعلانه مساندته للحركة الاحتجاجية التي ولدت غداة مقتل الشابة مهسا أميني في طهران في سبتمبر/أيلول 2022.

وقالت جوستينا: "أنا مصدومة جدا. أتمنى ألا ينفذوا حكمهم. إنه تعذيب نفسي ضد توماج صالحي وضد كل الذين يدعمونه ويساندونه. هناك الكثير ممن يحبونه لأنه يعتبر صوت الناس العاديين لكن وعدهم بأن يبقى واقفا وصامدا".

"لن يركع أبدا وهذا ما يخيف النظام الإيراني"

تُعرف جوستينا بأغانيها الملتزمة. وهي صديقة لتوماج صالحي حيث قاما سويا بكتابة أغنية "بيشاك" التي صدرت في شهر يوليو/تموز 2022. فيما تم تصوير الفيديو في مدينة أصفهان والسويد، بطلب من توماج صالحي الذي دعا جوستينا إلى "تكاثف الجهود لإطلاق صرخة الحرية من قبل الشباب الإيراني". وجاء في مقطع منه: "نحن طائر الفينيق الذي سيولد من الرماد من جديد. نحن النار التي ستخرج من الجليد. نحن لن ننتهي مثل الأرض".

 

وتابعت جوستينا: "ليست المرة الأولى التي توقف فيها السلطات الإيرانية توماج صالحي. بل سبق وأن اعتقلته قبل وفاة الشابة مهسا أميني، لكنه لم يغير من مواقفه. ولهذا السبب لا يزال يقبع في السجن اليوم. لن يركع وهذا ما يخيف النظام. هذا الأخير متخوف منه لأنه يدرك بأنه لن يسكت ولن يغادر إيران"، وحيت شجاعة زميلها في الفن الذي تعتبره واحدا من بين أصوات الحركة الاحتجاجية التي تدعى ‘النساء الحياة والحرية‘".

لكن بعض مغني الراب الآخرين اختاروا المنفى بعدما تعرضوا إلى ضغوطات من قبل الحكومة. جوستينا هي واحدة من بينهم. وتروي قصتها قائلة: "قبل ست سنوات، داهموا منزلي وفتشوا جميع أغراضي وتعرضت على مدار ثلاثة أيام لاستجواب قاس من قبل الشرطة وقالوا لي بأنني امرأة ولا أملك الحق في الغناء". وقد تم توجيه تهمة "تشجيع الفساد والفسق" لها. لكن في نهاية المطاف، قررت الفرار إلى السويد عبر جورجيا.

"منعنا من الغناء أمر سخيف"

وأضافت غوغا وهي مغنية إيرانية أخرى في مجال الراب تعيش أيضا في السويد منذ 2010: "جوستينا تغني وتكتب وهي تساند قضايا المرأة وتصور نفسها بدون الحجاب. حياتها كلها كانت في الخفاء. في إيران، إذا كنت امرأة وتغني موسيقى الراب، فهذا يعتبر أمر سيء جدا".

 

وتحاول سلطات إيران منع النساء من إسماع صوتهن أو الغناء بمفردهن في الأماكن العامة. وبالنسبة لغوغا التي كانت من النساء الأوائل اللواتي اقتحمن عالم موسيقى الراب في العام 2000، كان يتوجب عليها أن تتحلى بالشجاعة والمثابرة. "لم يكن سهلا أن أسجل بعض الأغاني في الاستديو لأنني أعرضهم (أصحاب الاستوديوهات) إلى الخطر. وهذا ما وقع في 2010 عندما أغلقت الشرطة أحد الاستوديوهات التي كانت تنشط في الخفاء. الشرطة عثرت على ألبومات بصوتي وقامت باعتقال أصحاب الاستديو بسببي. كان عمري حينها 20 عاما. كنت أحب الموسيقى والشعر وكنت أشعر بأنه من السخافة أن يمنعوني من الغناء".

اقرأ أيضادعوات متزايدة لإنقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من الإعدام

سوروش لشكاري الذي يسمى نفسه "هشكاس" (أي لا أحد) هو من الأوائل الذين اقتحموا عالم الراب في العام 2000. اكتسب شهرة كبيرة من خلال أغنيته "اختلاف" سأل فيها الله عن أسباب الفقر وغياب العدالة والفساد في بلاده. وبعد مرور سنة على الاحتجاجات التي رافقت عملية انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في 2009، طرح في السوق ألبوما جديدا له طابع سياسي ملتزم عنوانه "سيأتي يوم أفضل". وكانت الأغنية الأخيرة التي سجلها في إيران بشكل غير قانوني قبل أن يغادر البلاد عبر تركيا متوجها إلى بريطانيا.

مغنون راب موالون للنظام

ومع تنامي موسيقى الراب في إيران، تحاول السلطات أن تقلل من مصداقية هذا النوع الموسيقي. فيما وصفته بـ"موسيقى شيطانية" في وثائقي تم بثه على القناة الوطنية.

في 2012، تم إطلاق فتوى دينية ضد المغني شاهين نجفي الذي يعيش في ألمانيا منذ 2005 بسبب أغنيته "ناغي" والتي انتقد فيها أحد الأئمة الـ12 الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي. واتهم هذا المغني بـ"الكفر" فيما أعلن أحد المتدينين منح 100 ألف دولار لمن ينفذ جريمة قتله.

وتقول المغنية غوغا: "الجمهورية الإسلامية استخدمت جميع الوسائل للقضاء على موسيقى الراب بدون أن تتمكن من ذلك. لذا قررت استخدامه لتمرير رسائلها وإيديولوجيتها للتأثير على الشباب الإيراني". وأضافت: "اليوم هناك في إيران مغنون في مجال موسيقى الراب موالون للنظام مثل سحراب الذي التقط صورة وهو يتبادل التحية مع مسؤول ديني وسياسي محافظ مقرب من المرشد الأعلى والحرس الثوري".

بعض المغنين أدوا أيضا أغاني موالية للحكومة مثل أمير تتالو في أغنية عنوانها "الطاقة النووية" مساندة لسياسة تخصيب اليورانيوم من قبل النظام. هذا الفنان الذي وشم جسمه من الرأس إلى أخمص القدم أعلن مساندته للرئيس إبراهيم رئيسي في 2017 قبل أن يغير موقفه السياسي ويهرب ليعيش في المنفى بتركيا. لكن أنقرة قامت بترحيله إلى إيران في يوليو/تموز 2023 التي سجنته بتهمة نشر "أغان فاحشة".

دعم الراب التجاري والذكوري

تقول جوستينا: "لدينا انطباع أن النظام لا يبالي بأغاني الراب عندما تتطرق إلى بعض المواضيع مثل الحفلات وتناول المخدرات والكحول وغزل النساء. بالعكس فهو يدعم الراب غير المسيس ويساعدهم. لكن في الدقيقة التي تتجاوز فيها الخط الأحمر وتهتم بالسياسة، تتحول إلى هدف".

وأضاف متخصص آخر في هذا النوع الغنائي: "الراب موسيقى لاقت رواجا كبيرا في إيران. لا توجد سيارة في الشارع لا تبث أغاني الراب لكن يجب أن نعترف أن الراب الأكثر رواجا في بلادنا هو الراب التجاري غير المسيس وغير الملتزم".

 

وتابع: "مع تطور البث عبر الإنترنت، بعض الفنانين يجنون أموالا كبيرة تصل في بعض الأحيان إلى 10 آلاف دولار بالشهر. ويحيون أيضا سهرات غنائية في الخارج ويعودون إلى البلاد بدون التعرض لمضايقات من قبل السلطات لأن أغانيهم غير سياسية.

وتوماج ليس مغني الراب الوحيد الذي يقبع في السجن اليوم في إيران، فهناك سمان ياسين (25 عاما) من أصل كردي يقبع هو أيضا في السجن. تم الحكم عليه في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2022 بالإعدام. حاول أن ينتحر بعد شهرين من زجه في السجن بسبب الظروف المعيشية الصعبة داخل معتقل "رجاي شهر" بمدينة كرج حيث تعرض إلى التعذيب.

ووفق الجمعية الكردية المدافعة عن حقوق الإنسان، تم وضع هذا المغني في زنزانة انفرادية تدعى "المشرحة" حيث تعرض إلى اعتداءات جسدية خطيرة وعنيفة وصلت إلى حد رميه من مكان عال إلى الأسفل. لكن لحسن حظه، تم تقليص حكمه بالإعدام إلى السجن لمدة خمس سنوات. أما مناصري المغني توماج صالحي فهم يتمنون أن يحظى بقرار مماثل.

2024-05-02T12:38:26Z dg43tfdfdgfd